عندما خلق الله تعالي الإنسان جعل العلم والإيمان شقيقان، لا غنيً لأحدهما عن الآخر.
فالله تعالي خلق “الإيمان” وجعله فطرة إنسانية، والأدلة علي ذلك كثيرة وعديدة أجمع الباحثون عليها، فالمؤرخ الإغريقي بلوتارك كتب يقول: “لقد وجدتُ في التاريخ مدناً بلا حصون، ومدناً بلا قصور ومدًنا بلا مدارَس، ولكن لم توجد أبداً مدن بلا معابد “
والمعني نفسه يؤكده الفيلسوف الفرنسي هنري برجسون حيث يقول: لقد ؤٌجدت وتوجد جماعات إنسانية من غير علوم وفنون وفلسفات ولكنه لم توجد قط جماعة بغير ديانة.
وأكثر فلاسفة العالم القديم كانوا يقرون بألوهية ﷲ، ومنهم أشهر فلاسفة اليونان، مثل: سقراط وأفلاطون وأرسطو، ولم يكن الإلحاد إلا مذهبَ قلةٍ منهم.
هذه الحقائق التاريخية وغيرها تدحض مقولات مثل تلك التي يقولها فولتير من أن الإنسانية لابد أنها عاشت قروناً متطاولة في حياة مادية خالصة، ثم أخترع الدهاةٌ الماكرون فكرة الألوهية، هذه المقولات لا تستند إلي أي أدلة عملية فهي مجرد نتاج تصور مادي من مجموعة من الفلاسفة التي بنت فكرها وفلسفتها علي رفض فكرة الإله، ومن ثَم كان لابد لها أن تبحث عن تفسير مادي لواحدة من الظواهر الفطرية التي أجمع الباحثون علي تأصلها في الطبيعة البشرية منذ أن وجدت.
والله تعالي خلق “العلم” وهناك علي الأقل ثلاث أسباب تدل علي أن الله خلق العلم:
-
أولاً : أن الله خلق بني آدم وعلمه الأسماء كلها، والتي لم يُعلمها لأحد آخر من خلقه.
-
ثانيا: جعل لكل شيء سبباً، وكان من الممكن أن يخلق الله تعالي السموات والأرض وما فيهن دفعة واحدة، بكن فيكون، فلا نري أي أثر نستطيع منه أن نستدل علي معرفة تاريخ الكون ولا الأرض ولا أي من المخلوقات، ولا حتي التعرف علي الثوابت الفيزيائية أو القوانين الطبيعية التي تنظم عمل الكون، فلو أن الأمر كان كذلك لما كان هناك شيء لنتعلمه.
-
ثالثاً خلق لدينا الرغبة والقدرة علي التعلم : نري ذلك منذ بداية حياتنا علي الأرض في شغف الأطفال للتعرف علي كل ما تصل إليه أيديهم، وعلي طبيعة أسئلتهم التي كثيراً ما لا نجد إجابة لها، والإنسان هو الكائن الوحيد الذي لديه القدرة علي فهم الكون وما فيه رغم تعقيده.
إنحراف العلم والدين
ولأنّ بین العلم والدين رباط مصیري فإن إنحراف أحدهما بالضرورة يؤدي إلي إنحراف الآخر، الأمر الذي مرت به البشرية في تاريخها الطويل.
فالإنسان البدائي انحنى أمام العجز والجھل والمرض، وأخافته العوامل الكونیة، والنتيجة أن تغلّبت ھذه العوامل على ذات الإنسان المؤمن بفطرته والمشتاقلمعرفة الحقیقة، وفرضت علیه أوھاماً عاشت معه ورافقت علمه ودينه في عصور الجاھلیة الأولى، ومن ثَم انحرف الإنسان المصاب في دينه كما انحرف في علمه، فضلّ في متاھات الجھل وصحاري الضیاع.
-
فكانت مظاهر الضلال في الدين متمثلة في التوسل بالتمائم والسجود أمام الموجودات الطبیعیة والعكوف عند التماثیل التي لا تملك نفعاً ولا ضرا.
-
وبالمثل كانت مظاهر الضلال في العلم متمثلة في أفعال من الخرافات تحت مسميات علمية، مثل العلاج بالطلاسم، وأمثالها من الأعمال.